Bienvenue


Bienvenue sur le blog de ABDELGHANI AMMARI... blog qui est aussi le vôtre
Oui, le vôtre : parce que , un blog est avant tout un espace collectif de discussion, de partage et d'échange. Vos commentaires, questions ou remarques sont donc les bienvenus






بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، يوليو 19، 2013

الحاجة إلى التنمية الإدارية ضرورة لتغيير النسق الإداري المغربي ومسايرة التحدي العالمي.



Auteur :
بما أن التنمية الإدارية جزء أساسي من خطط التنمية ومحور فعال وبعد رئيسي في استراتيجية التنمية الشاملة، فإن التجارب أثبتت أنه إذا لم يتم التطوير الإداري لمواكبة التغيرات الداخلية والخارجية، فإن سمات مرضية ستطبع المرفق العام وستلح على ضرورة إحداث التطوير والتنمية. ومن المعروف أن كل الدول النامية والمتقدمة على حد سواء يواجهان جنبا إلى جنب إشكالية التنمية الإدارية. إلا أن الثانية تسعى إلى تطوير أساليبها وإدارتها كي تسعى إلى التكيف مع التطورات اليومية بشكل ديناميكي، وهذا عكس الدول النامية التي تعرف مرافقها العامة نوعا من الفتور في إحداث التطوير الإداري، ويعزى سبب ذلك إلى تعدد المسائل والقضايا التي تهتم بها هذه البلدان وهذا ما يلقي عبئا ثقيلا على كاهل السلطات المركزية. ولا يتاح لها بالتالي الوقت الكافي لإيلاء التنمية الإدارية ما تستحق من اهتمام .
ويمكننا معرفة وإدراك أهمية التنمية الإدارية من خلال الحاجة إليها من أجل تغيير النسق الإداري المغربي (الفرع الأول) ولغاية مسايرة التحديات العالمية التي تفرضها الليبرالية الجديدة (الفرع الثاني).
الفرع الأول : التنمية الإدارية من أجل تغيير النسق الإداري المغربي
مضمون التنمية الإدارية ليس مجرد إجراءات إدارية أو مسطرية تأخذ شكل تدابير ضابطة للعمل. بل هي بمثابة إطار مرجعي لتطوير العمل والسلوك داخل الإدارة تغذيه روح المواطنة الصادقة وتحكمه قواعد الالتزام وتحمل المسؤولية المشتركة في التنفيذ. وتحتاج كل إدارة لممارسة مهامها توافر ثلاثة عناصر أساسية كالتالي :
-  العنصر القانوني المتمثل أساسا في التنظيمات والقرارات والعقود.
-  العنصر البشري المتميز بين سائر عناصر الإنتاج الأخرى .
-   العنصر المالي والتقني.
أ- بالنسبة للجانب القانوني والتنظيمي، فالمغرب يتوفر على ترسانة قانونية مهمة، لكن المطلوب تحيينها وتفعيلها قصد المساهمة في برامج التنمية الإدارية الهادفة على تحسين كيفية تقديم الخدمات للمرتفقين وذلك عن طريق المنهجة الواضحة للمساطير والإجراءات الإدارية أولا، وهذا ما جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلى أشغال الندوة الوطنية لتخليق المرفق العام. إذا جاء " أن هدف الإجراءات العمومية، التسهيل والتسيير وليس التعقيد والتعسير، وهو منهاج لترسيخ روح الاستقامة والوضوح والشفافية والتعجيل في إيصال النفع للناس... لذلك أمرنا بتبسيط الإجراءات وتحيين النصوص الإدارية وتحديث وسائل التدبير والعمل على التوفيق المستمر بين المقتضيات الإدارية وروح العصر التي طبعت اليوم كل العلاقات البشرية" .
وفي هذا الاتجاه فإن مصالح المعالجة لمشاريع التبسيط الإداري يكون من خلال الآتي :
-  من حيث الزمن : بالتقليص في آجال تنفيذ المساطر الإدارية.
-  من حيث التكلفة : بتخفيض التكلفة الناتجة عن تعقيد المساطر الإجرائية.
-  من حيث الفاعلين : بالحد من عدد المتدخلين في المسطرة ومن المراحل التي تمر منها.
-  من حيث الوثائق : بالتقليص من عدد الوثائق المطلوبة من المواطنين، فالتبسيط بهذا المفهوم يؤدي إلى إحداث تقليص في مسافات التعقيد المحدثة بفعل الممارسات العملية وإلى الربح في الوقت والتكلفة ورفع الجودة ، ومن خلالها يتم تسيير الحياة اليومية للمرتفق ولنشاط المرفق العام من خلال استعمال الإدارة لمساطير بسيطة سليمة وفعالة، ومعاملة المواطنين في إطار من المشروعية والمساواة.
وفي الاتجاه الآخر وتوطيدا للجانب القانوني للتنمية الإدارية نستحظر مسألة احترام القوانين وتنفيذا للأحكام القضائية. إذ يجب على المرفق العام احترام مبدأ الشرعية والخضوع لقرارات العدالة دون أي تردد أو تحفظ ، وذلك عن طريق :
-   أولا : وجوبية تطبيق قانون تعليل القرارات الإدارية.
-   ثانيا : تفعيل قانون الإقرار بالممتلكات بشكل جيد.
-   ثالثا : تنفيذ الأحكام القضائية.
وتوطيدا وتدعيما للجانب القانوني هناك ضرورة إكمال صرحها بتدعيم البنية التنظيمية. وذلك من خلال دعم اللاتركيز وإعادة تحديد مهام المرفق العام، إذ أن الإدارة الحديثة اليوم لا تعتمد فقط على الخطط السياسية والتنموية التي تقرر على صعيد الحكومة المركزية، بل تعتمد كذلك على الأسلوب الذي تؤدي به الخدمات الحكومية لكل منطقة وفي كل جزء من أجزاء البلاد. ومن ثمة تبدو اللامركزية الإدارية بما تعنيه ترك جزء من الوظيفة الإدارية على جماعات ترابية تدبير شؤونها بنفسها في نطاق استقلال إداري ومالي ، وهذا ما يعني أن اللاتركيز الإداري يشكل أحد الأولويات في مجال التنمية الإدارية لإعادة تنظيم المرافق العامة بهدف الرفع من فعاليتها.
ب- أما على المستوى الثاني وهو تثمين العنصر البشري فقد جاء بشأنه على لسان الملك محمد السادس : " ... ومن ثمة كان توجهنا الاستثمار في الموارد البشرية، باعتبار رأس المال البشري رافعة للتقدم وخلق الثروات، ونظرا لدوره في تحويل وتدبير باقي الثروات وإدماج هذا الاستثمار في مسيرة التنمية البشرية " وفي هذا الإطار فإن الأمر يتطلب من أجل الرقي بالعنصر البشري ضرورة خلق مناخ جيد لعمل الموظفين، وذلك اعتبارا لدورهم الفعال في السيرورة الإنتاجية داخل المرفق العام، وكذا تعزيز مختلف الجهود لإقرار مبدأ سيادة الأخلاق داخله*، إضافة إلى إيجاد وسائل كفيلة لإقامة علاقة مرنة بينه وبين المرتفق.
وتكون على هذا الشكل التنمية الإدارية ليست مجرد تغيرات هيكلية وقانونية للمرفق العام بل هي تفاعل مع خصوصيات المجتمع ومحدداته الثقافية، وكما يرى ميشيل روسي " معرفة الوسط الإنساني الذي تتم فيه العملية الإدارية شرط ضروري لتكيفها مع الواقع لضمان النجاح."
وإذا كانت التنمية الإدارية عنصرا هاما من ورائه تجلى هدف تغيير وتحيين المنظومة القانونية والتنظيمية للجهاز الإداري المغربي أولا. وأيضا عاملا للرقي بالعنصر البشري باعتباره العنصر الأهم داخل المنظمات كيفما كان نوعها أو حجمها. فإنها كذلك دافعا أساسيا من أجل ترشيد فعال للنفقات العامة. ومن خلالها يمكن استرجاع الثقة في المرافق العمومية وهو شرط رهين بتحسين آليات المراقبة المالية إضافة على تنمية تكنولوجيا المعلوميات والاتصال ثانيا. وهذا ما أكدته الرسالة الملكية الموجهة على المشاركين في المناظرة المنظمة من لدن كتابة الدولة المكلفة بالبريد وتقنيات الاتصال والإعلام، إذ جاء " وسيظل إصلاح الإدارة العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بلادنا. إذ يتعين أن نوفر لأجهزتنا ما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها الأنترنيت لتمكينها من الانخراط في الشبكة العالمية وتوفير خدمات أكثر جودة لمتطلبات الأفراد والمقاولات. "
وعموما إذا كانت التنمية الإدارية تصب في مبتغى تغيير النسق الإداري المغربي فإنها في جوهرها تؤكد محاولة مسايرة التحديات التي تطرحها المتغيرات العالمية على كل الدول، سواء المتقدمة منها أو النامية، وعلى هذا الأساس نجد أن الارتقاء نحو التنمية الإدارية معناه مسايرة التحديات العالمية بنوع من الإيجابية والتحكم والتبصر.
الفرع الثاني : التنمية الإدارية من أجل مسايرة تحديات الظرفية الدولية
شكلت الإكراهات الدولية عاملا أساسيا في فتح أوراش متعددة بالمغرب وعلى رأسها الارتقاء على مستوى التنمية الإدارية. فكانت مسألة الاستفادة من إعانة وقروض المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) تخضع لقيود من الشروط تتمثل في إقامة إصلاحات هيكلية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري، وذلك لموازاة الظرفية العالمية والتماهي معها المتجهة نحو تشجيع المبادرة الخاصة والاستثمار.
وجاء في هذا الإطار تقرير البنك الدولي في شتنبر 1995، كاشفا لحالة الإدارة المغربية ومن خلالها أبان عن نواقصها واختلالاتها. وحسب هذا التقرير؛ فالمغرب يمتلك قطاعا خاصا جيدا، إلى جانب ذلك موقع جغرافي متميز قريب من الاتحاد الأوربي، ويتمتع باستقرار سياسي فضلا عن توفره على خصوصيات تؤهله لجذب الاستثمارات الأجنبية قصد تحقيق تنمية مدعمة ومستدامة، وفي مقابل هذه المميزات فإن المنافسة الدولية والتطور التكنولوجي تفرض على المغرب إعادة النظر في نماذج التسيير العمومي المتقادمة وذات كلفة عالية غير منسجمة لطموحات المواطنين والأجانب . وتضمن هذا التقرير المحاور التالية* :
-   أولا : مكامن تقادم الإدارة المغربية تحدد من خلال :
·                     ‌أ- التسيير الروتيني المتميز بالبطء والتأخر في مسلسل اتخاذ القرارات.
·                     ‌ب- كثرة الموظفين والأعوان تمتص كتلة أجور مرتفعة.
·                     ‌ج- مساطر مالية جامدة وقليلة الشفافية في صرف الميزانية.
-  ثانيا : تدبير الشأن العام الذي يتميز بالمركزية المفرطة واللامركزية الهشة. وفي الحقيقة لم يكن هذا إنذارا إلى الإدارة المغربية بقدر ما كان إنذارا موجها إلى الدولة المغربية وذلك قصد مراجعة آليات اشتغالها في الميادين الاقتصادية والاجتماعية لمسايرة تطابقها مع بروز الفكر الليبرالي الجديد ومضمونه يكمن في تراجع الدولة عن وظيفتها التدخلية أي يجب أن تواكب موجة العالمية المتسمة بالمساعدة عوض الفعل والتنظيم عوض التدبير وذلك من منطلق أن الأسواق العالمية هي أسواق شاسعة وغنية، نظرا لسيادة التدبير التقليدي في معظم دول العالم .
ويبقى الجدل حاليا حول الرقي نحو التنمية الإدارية يدور في خلق ثنائية الدولتية / قوى السوق، التي قد تم الحسم فيه لصالح هذه الأخيرة وذلك باتجاه تحويل دور الدولة واعتناق مبادئ جديدة للتنظيم والتسيير . ويمكن أن نضيف إلى الثنائية السابقة التي أصبحت تتمحور حولها التنمية الإدارية، دور المجموعات الاقتصادية الكبرى التي تدفع نحو القيام بمجانسة العلوم والتقنيات الانتاجية والتسييرية وأنماط العيش والثقافة والاستهلاك بتحقيق اندماج ايديولوجي واجتماعي وسياسي واقتصادي، معلنة بنهاية قومية رأس المال وتعددية أنماط التسيير. وكما يرى الأستاذ علي سدجاري " أن توحيد الشكل يتهيكل فوق الفوضى الظاهرة للمنافسات والمزاحمات الوطنية، إذ يتعلق بأنماط التسيير والضبط والتنظيم، أي بقطيعة مع الامتيازات الضخمة التي تتمتع بها الدولة - الأمة، وأساليبها التقليدية في تسيير المرافق العمومية. إن البيروقراطية، والتسلسلية والتراتبية لا تقوم سوى بإلحاق الضرر بنجاعة أنشطة المصالح التي يتوجه نشاطها نحو الخارج. خصوصا عندما يكون الشركاء المفضلون للبلدان النامية منظمات دولية ودول متقدمة تعرف إدارتها تطورا وتحولا مضطردين".
وفي خضم تبلور مفاهيم تروم حول توحيد الأنماط، تجد المرافق العامة نفسها اليوم في موقف الدفاع عن اقتصاد السوق بإطار قانوني يمارس من خلاله ، جوهره تراجع دولة العناية وتقوية دولة القانون.
والواقع أنه إذا كانت العالمية في حمولاتها شكلا من أشكال التحديث فهذا يعني مما لا يدع مجالا للشك أن المفاهيم التقليدية للتنمية في طريقها إلى التلاشي نتيجة لعدم الاستقرار الذي أخذ يطبع العلاقات القائمة بين المجتمع والدولة من جهة وبين المرتفق والمرفق العام من جهة أخرى أمام المعطيات التكنولوجية الجديدة للنشاط الاقتصادي ولعل ذلك ما يعني أن منطق التنمية أصبح يرتكز على موارد جديدة كالمورد التكنولوجي ومورد المعرفة ومورد التواصل والمورد البشري وأخيرا الاستثمار السياسي الذي يقر بمجال أوسع من الاستقلالية والحرية.
وعلى هذا الأساس فإن إدارة المرفق العام ونظرا لأهمية الدور الذي تلعبه في نجاح أو إخفاق جهود الدولة في تحقيق التنمية الشاملة، فإن هذه الأخيرة تحمل على عاتقها - المرافق العامة - أولوية تحقيق تنمية إدارية فعالة من خلالها تستطيع مواجهة التحديات الجديدة، وخاصة كما يرى الأستاذ علي سدجاري " أن تجربة الكثير من الدول النامية أثبتت الفرق الكبير بين طموحات خطط التنمية وبين واقع تحمل الأعباء الملقاة على عاتقه، ذلك لأن تحقيق أهداف التنمية على الوجه المأمول سوف يظل مرهونا بمدى كفاءة الجهاز الإداري للدولة على تحمل مسؤولياته من أجل تحويل الأماني إلى حقائق " .
وإذا كان ربح رهان التنمية الإدارية مرهونا بمدى تطابق الخطط التنموية فإن سؤال ما هي الإمكانيات التي تقدمها التنمية الإدارية للمرفق العام كأرضية للتبلور مع المتغيرات المستمرة والمتلاحقة يجرنا وبقوة لملامسة تحقيق هذا الرهان من عدمه.


التنمية البشرية




                         في العقد الأخير من القرن الماضي تنامي الوعي بقيمة الإنسان هدفاً ووسيلة في منظومة التنمية الشاملة، وبناء على ذلك كثرت الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي عقدت لتحديد مفهوم التنمية البشرية وتحليل مكوناتها وأبعادها، كإشباع الحاجات الأساسية، والتنمية الاجتماعية، وتكوين رأس المال البشري، أو رفع مستوى المعيشة أو تحسين نوعية الحياة. وتستند قيمة الإنسان في ذاته وبذاته إلى منطلقات قررتها الديانات السماوية التي تنص على كرامة الإنسان والذي جعله الله خليفة في أرضه ليعمرها بالخير والصلاح. لقد ترسخ الاقتناع بأن المحور الرئيس في عملية التنمية هو الإنسان.
            التنمية البشرية: فرض مصطلح التنمية البشرية نفسه في الخطاب الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم بأسره وخاصة منذ التسعينات، كما لعب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وتقاريره السنوية عن التنمية البشرية دورا بارزا في نشر وترسيخ هذا المصطلح.
               إن مصطلح التنمية البشرية يؤكد على أن الإنسان هو أداة وغاية التنمية حيث تعتبر التنمية البشرية النمو الاقتصادي وسيلة لضمان الرفاه للسكان، وما التنمية البشرية إلا عملية تنمية وتوسع للخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنمية ذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس وللناس.
               إن مفهوم التنمية البشرية هو مفهوم مركب من جملة من المعطيات والأوضاع والديناميات. والتنمية البشرية هي عملية أو عمليات تحدث نتيجة لتفاعل مجموعة من العوامل والمدخلات المتعددة والمتنوعة من أجل الوصول إلى تحقيق تأثيرات وتشكيلات معينة في حياة الإنسان وفي سياقه المجتمعي وهي حركة متصلة تتواصل عبر الأجيال زمانا وعبر المواقع الجغرافية والبيئية على هذا الكوكب.
                والتنمية البشرية المركبة تستدعي النظر إلى الإنسان هدفا في حد ذاته حين تتضمن كينونته والوفاء بحاجته الإنسانية في النمو والنضج والإعداد للحياة .إن الإنسان هو محرك الحياة في مجتمعه ومنظمها وقائدها ومطورها ومجددها. إن هدف التنمية تعنى تنمية الإنسان في مجتمع ما بكل أبعاده الاقتصادية والسياسية وطبقاته الاجتماعية، واتجاهاته الفكرية والعلمية والثقافية.
              إن مفهوم التنمية البشرية مركب يشمل مجموعة من المكونات والمضامين تتداخل وتتفاعل في عملياته ونتائجه جملة من العوامل والمدخلات والسياقات المجتمعة وأهمها: عوامل الإنتاج، والسياسة الاقتصادية والمالية، مقومات التنظيم السياسي ومجالاته، علاقات التركيب المجتمعي بين مختلف شرائحه، مصادر السلطة والثروة ومعايير تملكها وتوزيعها، القيم الثقافية المرتبطة بالفكر الديني والاقتصادي، القيم الحافزة للعمل والإنماء والهوية والوعي بضرورة التطوير والتجديد أداةً للتقدم والتنمية.
              وهكذا يمكن القول أن للتنمية البشرية بعدين، أولهما يهتم بمستوى النمو الإنساني في مختلف مراحل الحياة لتنمية قدرات الإنسان، طاقاته البدنية، العقلية، النفسية، الاجتماعية، المهارية، الروحية ....
               أما البعد الثاني فهو أن التنمية البشرية عملية تتصل باستثمار الموارد والمدخلات والأنشطة الاقتصادية التي تولد الثروة والإنتاج لتنمية القدرات البشرية عن طريق الاهتمام بتطوير الهياكل والبنى المؤسسية التي تتيح المشاركة والانتفاع بمختلف القدرات لدى كل الناس.  
                  يتكون دليل التنمية البشرية، كما يطرحها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من ثلاثة مكونات أساسية وهي: طول العمر (مقاسا بتوقع العمر عند الولادة)، والمعرفة (مقاسا بنسبة معرفة القراءة والكتابة عند الكبار، ومتوسط سنوات الدراسة) ومستوى المعيشة ( مقاسا بالقدرة الشرائية بالاستناد إلى معدل الدخل المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد)".
              وحيث أن التربية لها دور أساسي في عملية التنمية البشرية فلابد من إتاحة الفرصة أمام كل إنسان لتنمية قدراته التربوية، ومن أهم الشروط الضرورية لإتاحة حق الإنسان في الثقافة والتعليم:
1- . حق التعليم للجميع لأنه من حقوق الإنسان الأساسية في الحياة ،وإتاحة الفرصة لكل فرد في تنمية طاقاته من خلال مؤسسات الثقافة والتعليم .
2. إشاعة الحرية في المؤسسات الثقافية والتعليمية وترسيخ أسس الحوار الديمقراطي،ضماناً لرفع الكفاءة في العمل وتجديده وتطويره.
3- . القضاء على الأمية، لأن الأمية تعتبر عائقاً من عوائق التنمية والتجديد فهي ميدان للتفكير المتعصب والخرافي والسلطوي .
4- . التأكيد على سنوات التعليم الأساسي للجميع والتوسع والتنوع في مؤسسات التعليم الثانوي والجامعي والعالي لمواجهة مطالب سوق العمل .
5- . التركيز على مبدأ التعليم المستمر مدى الحياة والإعداد للتعلم الذاتي مما يساعد الإنسان على التكيف مع واقعه حيث يصبح فاعلاً لا مجرد تابع أو مستقبِل فقط .
6- . ترسيخ المساواة والتقدير لكل فروع المعرفة الإنسانية وخبراتها سواء كان عملا ذهنيا، عمليا، تنظيميا، فنيا، إنتاجيا، تعليميا أو جماليا.
7- . التقدير المتكافئ لمختلف الأنشطة المجتمعية وتكاملها، لأن الإنسان كائن مركب من طاقات مختلفة : بدنية،عقلية، اجتماعية، روحية،وجدانية وتنمية هذه الطاقات يتطلب الوفاء باحتياجاتها البيولوجية والجسمية والمعنوية.وواقع تعليمنا يركز على الإنسان الجزئي عن طريق تلقين وحشو الأذهان بالمعلومات .
عقبات توظيف التربية في التنمية البشرية: ويمكن تلخيصها فيما يلي :
1- . التعليم البنكي الذي يرتكز على إيداع المعلومات في ذاكرة الطلاب ليستردها كما هي في الامتحانات، دون التركيز على تنمية أنماط مختلفة من التفكير تساعد على تفتح المواهب والقدرات الخاصة وتحقيق الذات. لاشك أن تفجير الطاقات الذهنية تعتبر من ضرورات التنمية البشرية.
2. إشكالية التوظيف الاجتماعي لإسهامات التعليم والثقافة وعلاقتها بالتجديد في مسيرة التنمية البشرية. والمشكلة تتراوح بين استخدام السلطة السياسية للإسهامات التربوية كقنوات للمحافظة أو عوامل للتجديد.
3 . إغراق التعليم في اللفظية بعيدا عن تطبيقاته في الحياة العامة والخاصة للمتعلمين، وبذا يصبح التعليم بلا معنى، ويزول مع امتداد الفترة الزمنية أو حتى بعد استظهاره للامتحانات.
4 . التنافس بين الهدف الاقتصادي والاجتماعي للتربية ولمن تكون الأولوية وأين تقع مراكز الثقل في عمليات التعليم والتعلم.
5. تعدد مؤسسات التعليم والثقافة، الرسمية والخاصة، والقلق حول دور التعليم والثقافة في توثيق أواصر التماسك الاجتماعي .
6 . الاضطراب بين القيم الفردية والفئوية من ناحية والقيم المجتمعية العامة من ناحية أخرى ولقد غدا جمع الثروة بأي أسلوب وبأقصر الطرق دافعاً ملحاً للأمن والأمان وأبرز صورها "الدروس الخصوصية" الذي بدت تتفشى في مجتمعنا.
7 . عدم تكافؤ الفرص بين الجنسين هي من أكبر إشكاليات التنمية البشرية وبروز الثقافة الذكورية الأبوية واعتبارها ظاهرة مقنعة في كثير من السياسات و الممارسات والرؤى الفكرية وفرص الحياة العملية.
الشباب والتنمية البشرية :
             إن الشباب هي أغلى فترة في حياة الإنسان ، وهم أغلى ثروة وقيمة في حياة المجتمع و لهم المكانة الكبرى في حياة الأمة.إن أهمية الشباب في الحاضر والمستقبل نابعة من أهميته على الدوام لما له من أثر في حياة الإنسان فهو القوة والحيوية والحماسة.

الحكامة والديموقراطية




يحيى اليحياوي

-1-

ترتكز موضوعة الحكامة, في منطوقها كما في فلسفتها, على ثلاثة تحديدات مركزية تضبط لها المحتوى والمضمون وترسم لها الفضاء والأبعاد:

+ فهي تتوخى, بداية, مقاربة التطورات والتحولات التي تطاول المنظمات العمومية المشاع أنها تمر بمرحلة أزمة في المشروعية, وتطاول أيضا ولربما بالقدر ذاته, المنظمات الخاصة المهووسة دائما بقضايا التنظيم الداخلي (اليومي كما الاستراتيجي) والخاضعة باستمرار لسلطان التسيير والتدبير وما سواهما.
موضوعة الحكامة من هنا إنما تعتمل داخل المنظمات كما داخل المجموعات كما بصلب النظام العام, ليس فقط  لكونها معرضة (في فردانيتها أو في اجتماعها) لتحديات عالم معقد ومضطرب أيما يكن التعقيد والاضطراب, ولكن أيضا لأنها تتطلع في معظمها إلى صياغة نمط في الحكم تتقوض بداخله الحدود الفاصلة بين الفضاءات وأولاها الفضاء المميز بين القطاعين العام والخاص.

+ وهي تطمح, ثانية, إلى ترجمة أشكال التنظيم الجديدة المحلي منها كما الدولاتي كما الدولي كما الكوني سواء بسواء...إما في أفق البحث عن ترابطات بين مختلف المستويات المجالية القائمة أو بجهة خلق تراتبية جديدة بين شتى ضروب التقاطع الناظمة لطبيعة الصراعات والمصالح المستفحلة في ظل العولمة وانفتاح المجالات.

+ وهي تتغيأ, فضلا عن كل هذا وذاك, إقامة منظومة وصفية وتحليلية (في أفق تأطير مفاهيمي ما) يكون من شأنها البناء " لوصفات" قابلة للتطبيق بهذه الجهة من العالم أو تلك...من قبيل مفهوم "الحكامة الجيدة" التي وضعتها المؤسسات المالية الدولية ولا تتوانى في الدفع بها والدفاع عنها في الزمن  كما في المكان.
بالتالي, ف"مفهوم" الحكامة (شأنه في ذلك شأن باقي مفاهيم السوسيولوجيا والاقتصاد وعلوم السياسة وغيرها) إنما يصبو لبلوغ مرتبة "الأداة العلمية" التي يكون بمقدورها ضبط وتفسير التوجهات الكبرى التي تحكم تطورات وتحولات المنظمات كما المجموعات كما نظم الحكم.

الحكامة تبقى, على الرغم من هذا التحديد أو ذاك, من هذا التطلع أو ذاك, تبقى مصطلحا لا خلفية مفاهيمية كبرى لديه تذكر,  ليس فقط لأنها لم تخضع بعد لعملية تنظير مجردة أو لكونها تحيل على تخصصات مختلفة, متباينة المشارب والأدوات, ولكن أيضا لأن فضاءها إنما هو مكمن تمطيط وتمديد يبدأ بالفرد في محليته الضيقة ولا ينتهي إلا في أحضان العالم الواقعي وربما الفضاء الافتراضي مرورا بما سواهما من مستويات وسيطة.

ولما كانت كذلك وأكثر, فإن مدلولها العام (الرائج على الأقل) إنما يتغيأ الأخذ بعين الاعتبار وترجمة واقع " تهميش وتمييع دور الدولة وانفجار مد الشبكات بكل أشكالها وانتقال الحدود بين العام والخاص والبحث عن أنماط تنسيق جديدة يكون بمقدورها تمكين العمل العمومي من التكريس" والتجدير في الزمن والمكان.
إنها تتطلع إلى التذكير ب"حقيقة" التحولات التي تطاول الاقتصاد والمؤسسات والبنى الاجتماعية والمصالح القائمة...وما سواها مجتمعة.

الحاصل, بناء على ذلك, أن الإشكال لدى أطروحة الحكامة إنما هو كامن في فشل سبل العمل والتنسيق التي كانت الدولة قائمة عليها إلى حين عهد قريب, مستبعدة في ذلك "مجهودات" القطاع الخاص ومساهمات مكونات المجتمع المدني وطموح الأفراد والجماعات في شتى أشكال تكتلاتهم المحلية أو الجهوية أو ذات الخلفيات المختلفة الأخرى.
يبدو الأمر من هنا إذن ولكأن الحكامة, بتركيزها على ذات المستويات, إنما تسائل الديموقراطية القائمة ببعديها السائدين التمثيلي منه كما التشاركي سواء بسواء.

-2-

لا تكتفي موضوعة الحكامة, الرائجة منذ مدة بأروقة المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية, بالمطالبة بالتسيير الجيد والتدبير السليم للشؤون العامة (والذي يترجمه مصطلح "الحكامة الجيدة" بامتياز), بل وتذهب إلى مستوى إلحاحها على ضرورة تعضيد ذلك ب"جرعات" في الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان تترجم بمقتضاها قيم المواطنة و"الإحساس بالمسؤولية" ومساهمة الغالبية في تدبير إذا لم يكن الملك العام فعلى الأقل ما يعنيه الشأن العام بالجملة  قبل التفصيل.

لا تنزع الحكامة من خلال هذا إضافة "جرعات جديدة " إلى معطى الديموقراطية القائم (إشراك الجمعيات, إقحام دور المنظمات الفاعلة داخل المدن وبهوامشها, الإنصات لمطالب التكتلات الحضري منها كما البدوي وما سوى ذلك), بل وتتطلع أيضا (ظاهريا على الأقل) إلى خلق فضاءات عمومية وبناء مجالات للحوار والمساهمة يكون للرأي والرأي المخالف له حضور مماثل دونما حجر على رأي هذه الجهة  أو تجاهل لتوجه تلك.

بالتالي, فبقدر ما تدفع الحكامة بضرورة تسييد قيم التسيير الجيد والتدبير الرشيد للموارد والإمكانات المتاحة اقتصاديا واجتماعيا, فإنها تدفع أيضا وبالقدر ذاته إلى إلزامية مصاحبة ذلك (سياسيا ومؤسساتيا) بنظم في الحكم لا ترتكن إلى تمثيلية الجسد الانتخابي حتى بأسمى صوره وأشكاله, بل  وتذهب لحد جعله في قلب صناعة القرار إذا لم يكن بالتمثيل الشاسع والواسع,  فعلى الأقل بالتشاور المكثف الذي يضمن التشاركية ولا يقتصر على مستوى الانتداب غير مضمون النتائج والتبعات.

والآية من ذلك إنما ضمان شكل في الديموقراطية تشاركي مقابل شكل الديموقراطية التمثيلي السائد ...الذي يستصدر البعد التشاركي ويقصيه إلى حد بعيد حتى بوجود نصوص في اللاتمركز واللامركزية قوية وجريئة (كما بفرنسا أو بألمانيا أو بغيرهما).

وعلى هذا الأساس, فالحكامة إنما تضع الديموقراطية التمثيلية (البرلمانية عموما) في محك من أمرها ليس فقط باعتبارها إياها مركزة لآليات اتخاذ القرار ولا لكونها تحتكر (لدرجة الاستصدار) سلطة الولاية على الشأن العام, ولكن أيضا كونها تحجر على قضايا الشأن المحلي والجهوي التي غالبا ما يكون أمر البث فيها من صلاحيات مجالس منتخبة, تعمل بمبدأ القرب ولا حساب لها تقدمه إلا لهذا التجمع السكاني الضيق أو ذاك دونما حاجة من لدنها (أو إكراه) إلى وصاية من المركز أو ضرورة قانونية لطلب استشارته أو الاحتماء المسطري بما قد يصدر عنه.

قد لا يكون القصد من لدن دعاة الحكامة تقويض مرتكزات الديموقراطية التمثيلية (سيما بالدول التي لم يتسن لذات المرتكزات أن تستنبت بصلبها وتتقوى), لكنها تقصد حتما تعضيدها (بهذه الدول كما بالدول الديموقراطية) بأشكال جديدة في الديموقراطية تدمج رأي ومطلب المحلي الضيق ولا تستبعد آراء ومطالب الكوني الشاسع...المدافع (في إطار التعاون اللاممركز تحديدا) على خلق سبل في التضامن بين الأفراد والجماعات, بين القرى والمدن, بين الجهات والمجموعات, بين تجاذب المصالح والمنافع بين هذه المنطقة من العالم وتلك حتى وإن كانت مستويات نموها مختلفة لدرجة التباين المطلق.

من هنا, فمبدأ الحكامة الرائج منذ مدة لا يتغيأ فقط زرع بذور الشفافية والعدالة وسيادة مبادئ القانون في تدبير قضايا الشأن العام, بل وأيضا وبموازاة ذلك, التوكيد على أن بلوغ ذلك إنما يتجاوز ثنائية الدولة والجماعات المحلية ليطاول مختلف أطراف المعادلة الحضري منها كما القروي, ذي النزعة الفئوية الضيقة كما ذي التطلع المحلي الأوسع, المدافع عن المجموعات الهشة اقتصاديا واجتماعيا كما المطالب بصيانة الطبيعة والبيئة وهكذا.

بالتالي, فنحن بهذه النقطة, لن نكون فقط بإزاء إغناء عابر لمبادئ الديموقراطية التمثيلية التي تعارفت عليها المجموعات من قبل كما في الوقت الراهن, بل وأيضا بإزاء تجاوز بنيوي للمرتكزات الشكلية التي بنيت عليها لعقود طويلة خلت...أي بإزاء تطعيم ذات المرتكزات وتحصينها بما استجد من أشكال الحكم والتدبير العام.

-3-

يبدو إذن, على الأقل بناء على ما سبق, أن الحكامة (في صيغها المختلفة, الحضري/البدوي منها كما الدولاتي, الترابي منها كما المركزي) إنما هي تحد للديموقراطية في شكلها التمثيلي, البرلماني والممركز...ودفعا بتمثلات في الديموقراطية جديدة قوامها الأساس المساهمة والتشاركية في صياغة القرار كما في تنفيذه بأرض الواقع.
قد لا يبدو الأمر بهذه الشاكلة (المثالية والطموحة يقول البعض) ليس فقط بالاحتكام إلى مجريات ذات الواقع, ولكن أيضا احتكاما إلى محدودية التصور في حد ذاته:

+ فالحكامة صنيعة نيوليبيرالية خالصة صممت شكلها ومضمونها المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية لغايات لا تتطلع من خلالها تحديد " قواعد اللعبة" بين الدولة وما سواها من مستويات دنيا أو عليا, بل وبغرض تحجيم دور الأولى وتقويضه لفائدة هذه الأخيرة لاعتبارات قد يكون " هوس" التسيير الجيد والحكم الرشيد آخر المفكر فيه إذا لم يكن حقيقة المستبعد بالجملة والتفصيل.

+ والحكامة, للاعتبار أعلاه ولغيره بالتأكيد, لا تبدو تجاوزا للديموقراطية التمثيلية, طعنا في مقوماتها, بل هي تبدو ولكأنها "إنقاذا" لشرعيتها المتآكلة ودودا عما تبقى لفاعليها من مشروعية تراجعت (في ظل العولمة) جراء طغيان المالي على الاقتصادي, الاقتصادي على السياسي, أي غير المنتخب على الذي في عهدته التزام انتخابي محليا كان أم وطنيا أم إقليميا أم ما سواه من التزامات.

 يبدو الأمر بهذا الجانب إذن ولكأن الديموقراطية هي آخر المفكر فيه من لدن الحكامة, بل قد لا تعدو أن تكون مكونا من مكوناتها لدرجة تبدو معها الحكامة هي الأصل والديموقراطية هي الفرع...أي أن الحكامة ("الجيدة" تحديدا) هي التي تقود, نهاية المطاف, إلى "الديموقراطية- الحق" وليس العكس.
قد لا تكون العبرة بمن أتى الأول ولا بمن أسس للآخر, لكنها تتأتى بالتأكيد من أربع مفارقات تبدو الحكامة في خضمها على المحك أكثر من الديموقراطية في شكليها الواردين التمثيلي منه كما التشاركي سواء بسواء:

°°- فالحكامة تحيل على مستويات مختلفة وعلى فاعلين كثر تربطهم علائق متواترة ومعقدة ليس من الهين استجلاء مفاصلها ولا التثبت من طبيعتها.
إذا كان الأمر كذلك (وهو كذلك فيما نعتقد جازمين), فما السبيل لبناء شرعية مستويات كهاته متباينة ومعقدة وذات جغرافية متحركة زمنا وفي المكان, في المظهر كما في الجوهر؟

°°- ثم إنه لما كانت الحكامة تقويضا للحدود وتمييعا للمسافات في ميادين العمل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيرها...فكيف للمرء والحالة هاته أن يحدد المسؤوليات ويرسم فضاءات الفعل ويكون بمستطاعه, فوق كل هذا وذاك, تعيين مكامن القصور والخلل؟

°°- ولما كانت الحكامة عملية تفاعلية بين المستويات المشاركة والعمل الجماعي الواسع...فكيف التأكد بهذه الحالة مما هو صنيعة هذا المستوى أو ذاك سيما في ظل تراجع شرعيات هؤلاء وتآكل مشروعية أولئك؟

°°- ثم إن الحكامة تفترض فاعلين "مستقلين" (بإزاء الدولة أو الجهة أو ما سواهما), كيف بهذه الحالة الاتكال على هؤلاء في غياب مسؤولية جماعية تكون مكمن الديموقراطية ومصدرها؟

لعل الحاصل من هذه المفارقات إنما الاعتقاد بأن الذي هو في المحك اليوم  ليس الديموقراطية, بل " منظومة" الحكامة بكل تلاوينها وأشكالها...والسر في ذلك لا يكمن في كون الحكامة دخيلة على الديموقراطية, محاولة " لتجديدها من الداخل", ولكن لأن الذين يدفعون بها (الحكامة أعني) فكرا وممارسة...إنما هم آخر من يفكر فيها أو يعتمد القرارات اليومية منها كما الاستراتيجية على خلفية من قيمها.

جريدة العلم, 15 غشت 2004.

m/file/d/18u0lrV6S7dJtv4VKLIeOHGaTyfg5Gl1Q/view?fbclid=IwAR05dXPvw6R2qzJ7IOgNQFnIaL2LHODJdB7AxN62aEFbr2jx64DVKXbeT08