Bienvenue


Bienvenue sur le blog de ABDELGHANI AMMARI... blog qui est aussi le vôtre
Oui, le vôtre : parce que , un blog est avant tout un espace collectif de discussion, de partage et d'échange. Vos commentaires, questions ou remarques sont donc les bienvenus






بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، مايو 03، 2011

القداسة الملكية في سياق التطور الدستوري

حسن هويوة
أدت سياسة إدماج مفهوم القداسة في إطار دولة عصرية إلى دسترة مفهوم القداسة التي لا ينحصر نطاقها في مستوى الذات الشخصية للملك بل يشمل التصرفات والأقوال الملكية.



القداسة المتعلقة بشخص الملك

لقد ظلت شخصية الملك عبر التاريخ المغربي تحظى بمكانة خاصة في البيئة الاجتماعية والسياسية وتعد رمزا من رموز وحدتها وتوحدها. ومنذ الإرهاصات الدستورية الأولى قبل الحمابة نص مشروع دستور 1908م على أنه: "يجب على كل أبناء السلطنة الطاعة للإمام الشريف والاحترام لذاته، لأنه وارث البركة الشريفة".

وبعد الحصول على الاستقلال أكدت جميع الدساتير التي عرفها المغرب منذ بداية الستينات على القداسة الشخصية لجلالة الملك في الفصل 23، إذ ينص هذا الأخير على أن " شخص الملك مقدس لا تنتهك حرمته". فهذا المقتضى الدستوري يجعل شخصية الملك مقدسة لا يجوز انتهاك حرمتها، فهي في منأى عن كل مساس جسماني أو أخلاقي وعن كل مسائلة أو متابعة قضائية عن أي فعل، لكون جلالة الملك بإمارته للمؤمنين معني بحرصه على عدم ممارسة كل ما من شأنه الإخلال بهبة موقعه المتميز الضامن لحفظ حقوق الأفراد والجماعات في نطاق رمزية ميثاق البيعة والمقتضيات الدستورية.

ومن أجل ضمان الاستقلال المادي لجلالة الملك نص الفصل 22 من الدستور الحالي على وضع ميزانية خاصة بالملك ،تسمى بالقائمة المدنية، وهذه الميزانية تكون تحت تصرف جلالته قصد تمكينه من أداء وظائفه على أحسن وجه ولا تخضع للمحاسبة أو المراقبة.

كما أن الحصانة البرلمانية تسقط في حالة قيام العضو البرلماني بما يخل بالاحترام الواجب لجلالة الملك وبقدسية ذاته الشريفة. فحرية إبداء الرأي البرلماني تنتهي عندما يتعلق الأمر بمواقف أو أقوال تتضمن مساسا بالقداسة الشخصية للملك وتطاولا على مقامه . وبناء على هذا الخطأ الجسيم المخل بالاحترام الواجب للملك يصبح العضو البرلماني مرتكبه موضوع متابعة أو توقيف أو إلقاء القبض عليه بدون أن يصدر بشأنه إذن من البرلمان، بل إن هذا القبض أو هذه المتابعة قد تتم أثناء انعقاد الدورات البرلمانية أو خارجها، بحيث ينص الفصل 39 في فقرته الأولى من دستور 1996 في هذا الصدد على ما يلي: "لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان ولا البحث عنه ولا إلقاء القبض عليه ولا اعتقاله ولا محاكمته بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك".

وهكذا يبقى جلالة الملك محصنا ضد كل نقد أو مساس بشخصيته الذاتية أو المعنوية، وكل تجاوز لحصانته يعد اعتداء سياسي خطير وخطأ جسيم يعرض صاحبه لأقصى العقوبات. وهذا ما يجد دعمه في القانون الجنائي الذي يعاقب على جريمة الاعتداء على شخص الملك أو محاولة الاعتداء عليه بالقول أو باليد أو الاعتداء الذي يكون الغرض منه القضاء على النظام الملكي وحمل السلاح ضده.

كما أن الظهير المتعلق بقانون الصحافة تناول بدوره مسألة الحصانة الشخصية للملك وجعل منها قيدا جوهريا ضابطا لحرية العمل الصحافي، بحيث لا يجوز أن يصدر عنه في شكله أو مضمونه ما يعبر عن وجود تجاوز لكرامة الملك وعائلته من خلال تصوير أو كلام أو حديث جاري أو لاذع أو تنقصه اللباقة والتقدير الواجب للملكية،

إن قداسة شخصية الملك وحرمتها كانت تتطابق في حقيقة الأمر في بعض معانيها بما جرت عليه التقاليد والأعراف المغربية من تقديم فروض الطاعة والاحترام الخاص لمتولي منصب الإمامة و مخاطبته والتحدث عنه بكل تقدير واحترام في نطاق حرصه على المصالح الدينية والدنيوية العليا

ولئن كان مفهوم القداسة الشخصية للملك وجد سنده المرجعي سسابقا في تأويل حقيقة الانتماء لآل البيت وتجسيد إمارة المؤمنين التي تشكل إحدى الدعائم لتثبيت شرعية الدولة المغربية وتكريس استقلالها الديني والمذهبي عن الخلافة المشرقية ، فإن هذا المنطلق التاريخي لابد أن يتفاعل وينسجم مع روح الديمقراطية الجديدة والتطور الحاصل واقعيا في حال المؤسسة الملكية مما يقتضي إبداع صيغة جديدة تتجاوز المفهوم التقليداني لقداسة شخصية الملك وتحقق المضمون الدستوري لرمزية جلالة الملك وحفظ الاحترام الواجب لشخصيته ، خاصة أن مفهوم القداسة يفتقد إلى الانسجام مع التأويل الفقهي السني ومقتضيات الانسجام مع دين الدولة الذي لا يقبل نطاق القداسة للأشخاص مهما علا شأنهم، بما لا يعني عدم الإقرار بأهمية عنصر المحبة والاحترام والتقدير لشخص الملك كلما كان حريصا على الإبداع والاجتهاد في تنمية الشؤون العامة

كما أن الانسجام مع دلالة و شروط ورمزية التطور لملكية دستورية برلمانية ديموقراطية مواطنة حريصة على إمارة المؤمنين والانفتاح المتجدد على العصر والتقدم يقتضي تجاوز مفهوم القداسة التي لا تليق حتى بالتعامل الإنساني التلقائي الجديد لجلالة الملك الذي بات يكسبه رصيدا من التقدير والاحترام المعزز للوحدة والاستقرار والمحفز على تقوية شرعية الإنجاز والتنمية

القداسة المتعلقة بتصرفات الملك

تتجلى القداسة المرتبطة بالتصرفات الملكية في استبعاد المسؤولية السياسية للملك رغم أن هذا الأخير يمارس سلطات تنفيذية واسعة إما بصفة مباشرة من خلال المجال المحفوظ له أو بصفة مباشرة من خلال حكومته. كما تتجلى هذه القداسة في عدم جواز مناقشة مضمون الخطاب الملكي الموجه للبرلمان أو الأمة، سواء من طرف هذه الأخيرة أو من طرف ممثليها انسجاما مع فحوى الفصل 28 من الدستورالحالي الذي ينص بالخصوص على ما يلي: " للملك أن يخاطب الأمة والبرلمان ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش".

وجدير بالذكر أن الصيغة الأولى لهذا الفصل كما كانت واردة في دستور 1962 تنص على ما يلي: " للملك أن يخاطب البرلمان والأمة، ولا يمكن أن يكون مضمون ما يخاطبهما به موضع نقاش من طرف البرلمان" ويعني ذلك أن الدستور يمنع إجراء مناقشة برلمانية بعد توجيه خطاب ملكي إلى الأمة أو البرلمان ، غير أن هذا الفصل سيصبح أكثر وضوحا وحسما في تعديل 1970.

ويترتب على هذا تحصين التصرفات والأقوال الملكية وضرورة احترام الشعب المغربي أفرادا وجماعات للتوجيهات الواردة في فحوى الخطاب الملكي الموجه للأمة، لما يتصف به من قوة رمزية تحكيمية ملزمة وكذلك إجبارية التزام البرلمان بمضمون ما جاء في الخطاب الملكي الموجه إليه. إذ يعد هذا الخطاب بمثابة برنامج ملكي توجيهي يتعين على نواب الأمة الامتثال له والعمل على تنفيذه وصياغته في قوانين دون مناقشته أو تقديم تعديل عليه.

لنصل إلى التأكيد على أن الخطاب الملكي هو بمثابة تشريع يكتسي قوة إلزامية مطلقة. مما يضفي صيغة قانونية ملزمة على كل تصريح أو أمر يصدر عن جلالة الملك، بغض النظر عن نشره أو عدم نشره في الجريدة الرسمية أو أية وسيلة أخرى. وهذا ما أخذ به الاجتهاد القضائي في قضية الزيوت المسمومة )21 أبريل 1961(

وإلى جانب الخطب الملكية المحصنة، فإن جميع التصرفات الصادرة من جلالته في صورة ظهير أو مرسوم كيفما كانت طبيعتها تشريعية أو تنظيمية،سواء في الحالات العادية أو الاستثنائية، لا يجوز أن تكون محل طعن أو رفض من طرف المحاكم على اختلاف درجاتها.

وترتب على قداسة التصرفات والأقوال الملكية عدة نتائج منها :

1-إضفاء صبغة قانونية ملزمة على جميع القرارات والمواقف والخطب والظهائر الملكية.

2-تحصين كل ما يصدر عن جلالة الملك من قول أو فعل ضد أي نقد أو مسائلة

3-استبعاد الطعن في القرارات الأحادية للملك التي تكتسي طابعا إداريا، انسجاما مع ما ذهبت إليه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في بعض أحكامها، ونذكر منها على سبيل التوضيح ما عرف بقرار مزرعة عبد العزيز المتعلق برفض الطعن في مرسوم ملكي موقع من طرف الوزير الأول بناء على تفويض بالتوقيع، حيث رفضت الغرفة الإدارية بالمجلس اعتبار الملك سلطة إدارية، وبالتالي لا يجوز النظر في الطعون الموجهة ضد قراراته ولتصحيحالأمريمكن لصحاب الشأن اللجوء إلى جلالته على سبيل الاستعطاف

ومن الحيثيات التي استندت عليها الغرفة الإدارية تعارض صفة أمير المؤمنين الواردة في الفصل التاسع عشر مع إمكانية اعتبار سلطته إدارية . وقد وجد هذه التوجه القضائي دعمه من طرف بعض رموز الفقه الدستوري التقليدي.

والواقع أن مفهوم القداسة المتعلقة بالتصرفات الملكية بهذه المعاني والنتائج تجعل الحائز عليها متمتعا بحصانة مطلقة في كل أقواله وأفعاله، و تدفع البعض إلى إثارة وجود تيوقراطية في ممارسة السلطة ولو تلميحا لا تصريحا، مما يثير انتقادا له من جهة عدم ملاءمته مع الطبيعة النسبية للسلوك السياسي الإنساني الذي يحتمل الخطأ والصواب ومقتضيات الديموقراطية، ومن جهة تعارضه مع التأويل الديني السني للحكم ، بما هو تأويل يرفض فكرة عصمة تصرفات الحاكم في جوهرها.

بيد أن هذا الانتقاد الافتراضي يمكن الاعتراض عليه بالتأكيد على ضرورة النظر إلى أهمية الدلالة الدستورية المحصنة لتصرفات محددة للملك في نطاق الدستور والمصلحة العليا للبلاد على أنها تشكل قاعدة جوهرية تنسجم مع واقع التجارب الدستورية الديموقراطية و تساهم في حفظ الاستقرار السياسي لما تضفيه من رمزية ومكانة خاصة تليق بالمقام التحكيمي المفترض للملكية وتبعد عنها الصراع والمزايدات السياسية.

وقد بات من الواجب العصري والديموقراطي وتماشيا مع الإرادة الملكية السامية في خطاب 09 مارس الجرأة في تحجيم نطاق التصرفات والأعمال التشريعية والتدبيرية للملكية تقديرا لعبئ مسؤوليتها التي تسمو على تقلبات الزمن التشريعي والتدبيري و لصالح إقرار وتكريس المسؤولية السياسية والإدارية لباقي الفاعلين وتمييزها عن بعض المجالات والأعمال المحفوظة للملك والتي لا غنى عنها في كل الأحوال لتحقيق استمرارية سمو الثوابت الوطنية وتوسيع نطاق المحاسبة ورفع الحجب التي يمكن التحصن بها للإفلات من المحاسبة والعقاب.

ولئن كانت فكرة حصانة بعض الأعمال والتصرفات الدستورية الملكية الضامنة لرمزية التحكيم وحفظ حقوق وحرية الجميع ، بغض النظر عن تباين المواقف في تصور نطاقها، تحظى بإجماع غالبية القوى السياسية وقبول طوعي وتلقائي في المطالب الدستورية و السياسية الوطنية، فذلك لما تتميز به من صلابة دستورية وضرورة سياسية لا محيد عنها في كل الأحوال لاستبعاد المسؤولية السياسية للملك مقابل إبراز المسؤولية السياسية للوزير الأول باعتبارها حجر الزاوية ونقطة ارتكاز النظام البرلماني الديموقراطي.

الجامعة المغربية وسؤال الإصلاح: الموارد البشرية على المحك

أحمد حضراني
تقديم



يتغيأ من وراء إقرار التدابير الإصلاحية تأهيل الجامعة والارتقاء بالتعليم العالي إلى مستوى الطموحات والتحديات المطروحة في ظل الألفية الثالثة، خاصة وقد بوأ الميثاق الوطني للتربية والتعليم مسألة التربية، بشكل عام، مكان الصدارة والأسبقية( أولوية الأولويات ) بعد قضية الوحدة الوطنية على امتداد العشرية الحالية.



ولهذا فالجامعة ومؤسساتها مدعوة ،أكثر من أي وقت مضى، للدفع بقاطرة التنمية الشاملة إلى الأمام، والارتقاء بمشعل العلم على مستوى النوع والجودة في التكوين والبرامج والجودة في الموارد البشرية-طلبة وأساتذة وإداريين- وجودة في البنيات التحتية،والتجهيزات الأساسية للإدارة الالكترونية ،واستيعاب الآليات الحديثة للتكنولوجيا و تقنيات التواصل ،وعقلنة البحث والتأطير من خلال التحكم الدقيق في القواعد والقيم الأكاديمية والموضوعية، والصرامة والأمانة العلمية والنزاهة الفكرية من أجل خدمة أهداف سلمية، وقضايا وطنية تابثة، وترسيخ التربية على مبادئ المواطنة الملتزمة، والمساهمة في تطوير الحضارة الإنسانية، والتسلح بروح الحوار البناء، والاختلاف الديمقراطي الحضاري ، والانخراط في بناء عقد اجتماعي جديد ، مبني على أساس التماسك الاجتماعي وتكافؤ الفرص، وإذ لايختلف أحد على أن الجامعة هي رهان هذا الورش المجتمعي باعتبارها فضاء للحوار البناء،المرتكز على مبادئ التسامح وحقوق الإنسان وحرية التفكير والخلق والإبداع ،ولكي تظل الجامعة مقاولة لإنتاج المغامرة الفكرية والمواقف الريادية ، وفضاء للتجديد والحداثة والقيم الديمقراطية، ومشتلا لفرز النخب، فهذا لن يتأتـى إلا باعتماد خريطة طريق لجامعة مغرب اليوم والغد، لعل مدخلها الأساسي هو المورد البشري. ذلك أنه لا تنمية بدون علم وبدون الاهتمام بالعنصر البشري الذي هو هدف التنمية و أداتها.

وللتذكير فقد أصبح القاموس الحالي يزخر بتعابير تهيمن على الساحة الأكاديمية والإدارية والإعلامية...من قبيل "التدبير الجيد " (Management)، أو" التدبير الحكاماتي" (Gouvernance)، أو "تدبير الموارد البشرية" (G R H) عوض عبارة "تسيير الموظفين". وهذه المفاهيم لا تطلق على عواهنها، بل تحبل بمضامين وحمولات ،تتجاوز أنماط التسيير التقليدية ،وأشكالها المغرقة في المركزية والسلوكات البيروقراطية البغيضة، وتعتمد على المقاربة التشاركية ،وتقوم على الاعتراف بالعنصر البشري كطاقة ورأسمال وغائية، بغية أنسنة العلاقات الإدارية،و تستند في ذلك على معطيات وتصورات جديدة ،تستخدم آليات حديثة في التدبير، مرجعيتها الأساسية هي المعرفة، وإذ يلاحظ أن التقدم العلمي والتقني يتم بسرعة مذهلة، فقد أضحت معها الرساميل والمواد الخام غير كافية لتحقيق التنمية المنشودة، وأصبح المقياس الحقيقي للتقدم مبني على سلطة المعرفة، وامتلاك الخبرة والعقول البشرية، وتأهيل العنصر البشري. وخاصة إذا تعلـق الأمر بالموارد البشرية العاملة والفاعلة في المؤسسات الجامعية، والمفترض فيها أن تحمل مشعل الريادة والنموذجية في التدبير الجيد، للتحكم في عنصر الزمن وتعقيدات العصر وإدارة دفة التحولات. وتبعا لذلك فالمؤسسة الجامعية مدعوة أكثر من غيرها لتنخرط- وبشكل استباقي- في تنمية تدبير الموارد البشرية، بل إن هذه الأخيرة من أولوياتها، خاصة وأنها تتعامل مع طينة متميزة من الزبناء (طلبة)، ومنتجين يجسدون زبدة النخبة (أساتذة)، ومن وسطاء يحظون بالامتياز المعنوي في إدارة الشأن الجامعي (إدارييـن).



أولا : على مستوى الطلبـة



يمكن اعتبار المرحلة الجامعية بمثابة محطة أساسية لبناء شخصية الطالب ، وتعميق تكوينه ،وتحديد مساره ورسم معالم مستقبله، ،خليله الكتاب، وعنوانه المكتبة- التقليدية والرقمية- و نموذجه "الأستاذ"،وفي المقابل يظل الطالب هو رأسمال هذا الأخير وبطاقة تعريفه.

ولا شك أن برامج الإصلاح الجامعي تضع نصب عينها الطلبة كموضوع وهدف، سواء على مستوى التكوين والبحث، أو من ناحية الاندماج في المحيط الاقتصادي أو الاجتماعي، أو حتى من جانب المساهمة في جعل وتحويل التجربة الجامعية ورحاب المؤسسات الجامعية من أحسن وأحلى اللحظات العلمية والثقافية في حياة الطالب، لتكون ملائمة مع الفئة العمرية الشبابية ،ومواكبة لعتبة سنه المتميزة بالحماس والانطلاق.وهي الفترة التي وإن استغلت، وبتواصل ميداني وانخراط فعلي وفعال، من طرف الفاعلين القيمين على المعادلة البيداغوجية الجامعية في المغرب، ، وان كانوا يتوفرون بالفعل على حس وهم مجتمعي خالص وصادق.. لكانت فرصة سانحة لتكريس ثقافة المواطنة الحقة، والتأسيس الوجداني (السيكولوجي والسوسيولوجي) بالمواطنة والوطن.والعمل بالتالي على خلق المواطن الصالح المؤمن بروح الحوار البناء ، والمنفتح على الاختلاف والتحولات الكونية، والنابذ لكل أشكال التطرف والكراهية والمرتبط بالتالي بوطنه ومؤسساته. فالطلبة - الشباب – هم عماد الأمة، وجوهر نهضتها .



وعليه، وفي سبيل تحقيق هذه الغائية وهذا المطمح النبيل، فينبغي العمل ما أمكن وبكل الوسائل على تنويع أشكال التكوين المتاحة كما وكيفا، للاستجابة لكل الطلبات والمساهمة في سياسة جامعية ولوجية بكل المعاني، وانخراط الأساتذة بالخصوص لإنجاح المنظومة الجامعية، والإيمان بنجاعة وفعلية التكوين المندمج لتأهيل الطلبة لسوق الشغل، ولخدمة قضايـا بلدهم.

إضافة إلى دعم وتشجيع تنظيم مختلف الأنشطة الجامعية الموازية للطالب في مختلف المناحي الثقافية والفنية والرياضية وغيرها ؛لجعل "الوجبة الجامعية "متكاملة علما وفكرا وأنشطة ترفيهية، واستثمار الوقت الثالث للطالب وعدم ضياعه، أي جعل الجامعة فضاء للفكر والحوار، وتلقي المعرفة، واكتساب الروح العلمية والتأهيل للحياة العملية. وإن إرادة توفير وتعبئة ما هو متاح لتحقيق حياة جامعية متكاملة على المستوى الرياضي والفني والاجتماعي للطالب (الإيواء، التطبيب وتعزيز التغطية الصحية للطلبة) لكفيل بأن يجعل من المرحلة الجامعية فترة للذكرى الإيجابية (الانجذاب، الحنين...)، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تفعيل قنوات التواصل مع الطلبة ،وتنظيم لقاءات معهم، والاستماع لآرائهم وتزويدهم بكافة الحقائق والمعلومات السليمة عن القضايا التوجيهية والتربوية ، والاستجابة لمطالبهم، أو على الأقل تحسسيهم بـالإكراهات والحلول المتاحة بطريقة موضوعية اعتمادا على الشرح والتبسيط والتوضيح. وان إقرار سياسة انغلاقية قد تفضي إلى دخول جهات خارجية على الخط للقيام بدور الاطفائي، والعمل على تبريد التشنجات والنزاعات، مما قد يمس في الصميم باستقلالية الجامعة ( على سبيل المثال الاحتقان الواقع بين مكونات كلية الطب والصيدلة بمراكش). فلا مندوحة من إقرار سلوك انفتاحي واندماجي للاهتمام بمشاكل الطلبة وتفهمها والعمل على إيجاد الحلول الممكنة لها، وجعل مصلحة الطلبة فوق كل اعتبار،وإعطائهم المثال والقدوة في الحضور الميدانــي، وإشراكهم في قضايا التدبير الممكنة ، خاصة وأن القانون خول الطلبة المشاركة في تسيير المؤسسات الجامعية عبر ممثليهم في مجالسها وهياكلها،بل إشراك الطالب في العملية البيداغوجية ،واعتماد مدونة أو ميثاق لأخلاقيات البحث العلمي داخل الجامعة،وتبني "ميثاق الأطروحة" أو "ميثاق البحث" الذي يوقعه الأستاذ المؤطر والطالب الباحث.

فطالب اليوم هو إطار اليوم،ومن ثمة إدراجه ضمن الموارد البشرية الأساسية في المعادلة الجامعية البيداغوجية، والحاجة ماسة وملحاحة لربطه بالمدرجات، وتجويد الخدمات المقدمة إليه وإلا فملاذه وديدنه هو عالمه الافتراضي .



ثانيا:على مستوى الأساتذة



يتبوأ الأساتذة مكانة لا يستهان بها داخل المجتمع بالنظر للرسالة التي تقع على عاتقهم، في تطبيق مختلف أوراش الإصلاح الجامعي من خلال الحرص على القيام بأنشطة التدريس والبحث والتأطير، والمساهمة في تحيين مضامين ومناهج التعليم .والعمل على تنمية البحث العلمي ،والرفع من قيمته ، وتتبع تقييم ومراقبة معلومات ومؤهلات الطلبة ضمن الهندسة البيداغوجية (الفصول، الوحدات، المسالك...)، وبمختلف الأسلاك والسنوات، فهذا يستدعي تكثيف الجهود وتضافر الإرادات ،وتعبئة القدرات من أجل ريادية ورش التعليم العالي، وتهيـئ الشروط الضرورية لإنجاحه. فالاهتمام بالتعليم والبحث العلمي ليساهم -إن وظف إيجابيا- في تحقيق النمو والنهضة المجتمعية. وفي سبيل تحقيق هذه الغائية النبيلة والارتقاء بجودة التعليم والبحث العلمي ونوعية التكوين وخاصة التكوين المندمج لتأهيل طلبة اليوم إلى رجال ومواطنين صالحين للغد، فإن هذا يستدعي من الأساتذة رفع مشعل التحدي للنهوض بـالأعمال المنوطة بهم وبشكل مسؤول وجدي . وهذا لن يكتمل إلا من خلال إبراز شخصية الأستاذ وإعطاء الطلبة المثال والقدوة في الاجتهاد والنقد البناء والفضول العلمي، وفي المظهر والسلوك، وهذا الهدف النبيل لن يتحقق إلا في ظل توفير شروط موضوعية ،وفي مناخ إداري وبيداغوجي مبني على تجسير أواصر الثقة والاحترام المتبادل بين المسؤولين عن الجامعات ومؤسساتها( رؤساء، عمداء،مدراء) وهيأة الأساتذة كأشخاص أو أجهزة وهياكل للتعليم والبحث العلمي (المجالس و اللجن الدائمة ...). ونهج سبل الحوار الدائم وسياسة تواصلية، واعتماد المقاربة التشاركية في إطار الإيمان والعمل ضمن فريق، لا الاستفراد بالقرارات أوعدم الانفتاح (النزاع بين عميد كلية الحقوق بوجدة ورئيس الجامعة وصل إلى القضاء-أحد عمداء الكليات لا يستقبل الأساتذة إلا بناء على موعد)،لكن هذه السلوكات لا يمكن تجنبها إلا إذا تم القطع مع المنبع، والمقصود بذلك القطع مع الأسلوب الحالي في اختيار المسؤولين الجامعيين، حيث يتم المساس بالمنافسة الشريفة وبمبدأ تكافؤ الفرص، من خلال فبركة اللجان العلمية على مقاس بعض المرشحين الجاهزين والنافذين والمتمسحين بأوليائهم دون الاعتماد على كفاءتهم ورصيدهم المعرفي وإنتاجهم العلمي، ومصداقية وجدية مشروعهم الجامعي...، وأضحت بالتالي الجامعة كالجماعة المحلية، وانتقلت بالتالي عدوى فبركة الخرائط الانتخابية إلى صنع المسؤلين الجامعيين ومن طرف" لجان علمية"، لا بد من طرح إشكالاتها أمام الرأي العام ، للتفكير في مراجعتها، إذ كيف يمكن لممثل المحيط الخارجي-وهو عضو لجنة الانتقاء بحكم القانون- وقد يكون حاصلا على الإجازة،ولا تربطه صلة بالجامعة أن يقيم عملا جامعيا لأستاذ حاصل عن دكتوراه الدولة ؟ وما السر في تكرار تواجد بعض الأسماء ضمن عديد من اللجان وفي مختلف مباريات الانتقاء التي تنظمها الجامعات؟

ويبقى طرح انتخاب المسؤول الجامعي(رئيس الجامعة،عميد كلية،مدير مدرسة عليا أو معهد) من طرف الأساتذة هو البديل، وهو مطلب نقابي كذلك ، إضافة إلى إقرار منهجية للمراقبة الداخلية والخارجية على التدبير المالي، وعلى تنفيذ مشاريع تطوير المؤسسات الجامعية، ولو كانت هذه الأخيرة معتمدة لما تجاسر رؤساء الجامعات السابقين، والذين انتهت ولاياتهم -ثماني سنوات- كأقصى حد، إلى التماس فتوى الأمين العام للحكومة للي عنق القاعدة القانونية والتحايل عليها من خلال السماح لهم للترشح من جديد في جامعات أخرى،ورغم أن الفتوى كانت حاسمة لوضوح النص، فهذا لم يمنع أحد رؤساء الجامعات السابقين من التقدم بملف الترشيح إلى جامعة أخرى ؟ فكيف يستقيم الظل والعود أعوج في ظل غياب منهجية تأسيسية ديمقراطية،وكيف يمكن للجامعة أن تلعب دورها الريادي المجتمعي وأجهزة تسييرها تتمسح بمشايخها و أوليائها لا بجودة مشاريعها ؟

وداخل الجسم"الأستاذي"،-مسؤولا إداريا أو تربويا- فينبغي تحسين الوضعية المادية للأستاذ من خلال الإسراع بملفات الترقية وإقرار نظام الحوافز تشجيعا للبحث العلمي والكفاءات، اعتمادا على معايير دقيقة وذات مصداقية وشفافة، والاهتمام بالبعد الاجتماعي والإنساني للأستاذ، على الأقل تأمين عمله ضد مخاطر التنقل وحوادث الشغل.



ثالثا: على مستوى الموظفين



يساهم الموظفون والأعوان العاملون في تأمين السير العادي والوظيفي للمؤسسات الجامعية ، وإن هذه العينة من الموظفين لفي حاجة إلى التقدير والامتنان، لكونها تعمل في ظل قطاعات اجتماعية وثقافية وفكرية ، ولذا يفترض في هذه الشريحة من الموظفين أن تكون متشبعة بالهاجس التربوي، ومؤمنة بفضل البحث العلمي،ومنخرطة في النهوض به والدفع بتقدمه وهي تسلم بقدرها، وتؤمن في عملها بأنها بعيدة ، وإلى حد ما عن المثالب والعيوب التي تنخر جسد الإدارة المغربية (رشوة، بيروقراطية وسوء التسيير)، وبهدف تكريس تحصين هذه الشريحة من الموظفين ،وتدبير أمورها بشكل جيد. فينبغي العمل على تحسين شروط عملها، بدءا بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وإقرار سياسة التحفيز اعترافا بمجهوداتها ،وعربونا على إقرار مبادئ الشفافية وقواعد العدل والإنصاف، وإقامة مناخ ملائم للاشتغال، والعمل على مساعدتها ، واستغلال كل المناسبات للاعتراف -علنيا- بتضحياتها، ولما لا التخفيف عنها، بالنظر لقلة عناصرها من خلال ضخ عناصر جديدة في صفوفها ،والاستفادة من التكوين المستمر والتداريب وإعادة التأهيل.

ويبقى على الموظفين العاملين بمصالح المؤسسات الجامعية،وخاصة أولئك الذين يقع على عاتقهم مسؤولية خدمة الطلبة أن يعملوا على جودة الأداء، بدءا ب :

- تحسين جهاز استقبال الطلبة وعموم المرتفقين ، فالاستقبال بمثابة بطاقة تعريف الإدارة ككل فالاستقبال يعد بمثابة مدرسة للحياة الاجتماعية ،وهو مؤسسة وسيطة لخلق شراكة مع الطلبة بالتحديد.

- إيجاد سبــل وقنوات الحوار الجاد والشفاف،وهو خير وسيلة للتعرف على آراء الغير ، فالحوار هو قدرة على الاستماع، كما هو قدرة على الحديث ، والمحاور الجيد هو المستمع الجيد ، وإذا كان الاستماع من الخصال الأساسية التي تسهل بشكل مباشر الاتصال والتواصل، فينبغي أن ينصب على ما هو أساسي بالأساس، والفهم الجيد لما قيل، إضافة إلى خلق شبكة اتصال هامة وخاصة مع كل المخاطبين والمحيط الخارجي (علبة الاقتراحات والإعلانات، والمواقع الالكترونية...). ، إضافة إلى تبسيط المساطر.

- تطوير أساليب العمل والتخفيف من الشكليات، وبالتالي توظيف وتعبئة الاستفادة من مختلف وأحدث وسائل النجاعة والفعالية في التدبير ، قصد التحكم في العمل بدقة وضبط التخطيط والبرمجة، التي تقحم البعد الزمني وعامل الوقت في هذه المعادلة، من خلال التدبير والاستثمار الجيد للوقت فيما هو نافع وإيجابي ، فالوقت هو الحياة ( يلاحظ أحيانا أن ما هو أساسي يكون حظه من الوقت قصيرا ودونه يتخذ وقتا طويلا).

فالكل مدعو لإقرار تعاون مشترك وتضامني بين كل الفاعلين والفرقاء، ونهج سياسية تواصلية بين مختلف مكونات الجامعة،فالتواصل-للتأكيد- يعبر عن الشخصية الانفتاحية ،والقدرة على فهم دوافع واحتياجات الآخرين.

وهذه كلها أعمال وسلوكات تقام تحت مسؤولية القيمين على الجامعة ومؤسساتها، فما يجب على الأساتذة والطلبة والموظفين إنما يتم تحت مسؤوليتهم. وإن تدبير الجامعة والتفاعلات القائمة بين مكوناتها، فهي تتم تحت إشرافهم، وتنطبع بشخصيتهم، وتعتمد على إيمانهم بالعملية البيداغوجية وبخدمة قضايا الوطن والمواطنين، والمساهمة في تدبير الشأن العام، خاصة إذا كان هذا الأخير من طينة المنتوج الجامعي ومن فصيلة الجامعييـن، وهو ما يحتم الاشتغال ضمن فريق في إطار حكامة تشاركية، فنجاح المسؤول عن التدبير يتوقف على طبيعة الأشخاص العاملين معه، ومن ثمة ضرورة العناية بالعنصر البشري، لأن الإدارة هي إدارة أشخاص لا إدارة أشياء .وان أفضل وسائل التنظيم والتسيير لا تحقق الأهداف المرجوة عند إغفال أو تجاهل العنصر البشري. وينبغي أن ينصب التنسيق للمساعدة على حل المشاكل ودراستها لتحقيق أفضل استقلال، وتوظيف أنجح الطاقات،والوعي بالمهام والمسؤوليات وإقرار سياسة انفتاحية في سبيل خدمة التنمية المستدامـة.بخلق تواصل دائم مع مختلف أطراف المعادلة الجامعية (أساتذة وطلبة وإداريين)، ولا يخفى على أحد دور التواصل في خلق التماسك بين الأطراف وبناء العلاقات العامة ، إذ يمكن هذا التواصل من التفكير معا، والرؤية معا، والعمل معا، لتحقيق التماسك والانسجام عبر امتصاص المشاكل، والتوافق على الحلول، وبالتالي تحقيق الأهداف المشتركة ،وجعل الجامعات فضاءات فعلية لنشر المعرفة والثقافة والتعليم بقيم راسخة ، لتأهيل المغرب إلى غد أفضل وعلى كافة المستويات.



على سبيل الخـــتم

يبدو مما سبق أن المؤسسات الجامعية تطلع بدور طلائعي في النهوض بالقطاع التعليمي في شقه العالي، ويقع على عاتق الفاعلين فيها حمل الرسالة التربوية النبيلة للمساهمة في التقدم المجتمعي. وتتبيث موضع قدم البلاد على أرض الرهانات والتحديات العالمية، وهو مايطوق الموارد البشرية، وخاصة أولئك المدبرين والمسؤولين على الشأن الجامعي بمسؤولية مجتمعية وحضارية، بل تـاريخيـة، للارتقاء بالتعليم العالي للعب الدور الأساسي في دعم وتكريس تقاليد البحث العلمي، وجعل الجامعة مشتلا للفعل التربوي والثقافي، واعتماد جودة التكوين ونوعيته لاستقطاب الطلبة إلى المدرجات وتوجيههم حتى في عوالمهم الافتراضية، لتأهيل الشباب في الحياة العملية، وبالتالي إدماج المؤسسة الجامعية في محيطها الاقتصادي والاجتماعي، والتلاؤم مع مشروع الجهوية الموسعة وورش الإصلاح الدستوري، والمساهمة بالنتيجة في تأهيل الاقتصاد وتقدم البلاد، وتحديث المجتمع عبر سبك المواطن الجيد والصالح.

*أستاذ بكلية الحقوق بمكناس





m/file/d/18u0lrV6S7dJtv4VKLIeOHGaTyfg5Gl1Q/view?fbclid=IwAR05dXPvw6R2qzJ7IOgNQFnIaL2LHODJdB7AxN62aEFbr2jx64DVKXbeT08